كتبت: هاجر تامر
في العديد من العلاقات الشخصية، سواء كانت رومانسية، عائلية أو حتى مهنية، قد يواجه بعض الأشخاص لعبة نفسية مؤلمة تسمى “التلاعب بالعواطف”، وهو مصطلح يشير إلى استخدام البعض للمشاعر والأفكار لتحقيق أهداف شخصية وللسيطرة، ويعد فهم هذه الأساليب أداة قوية لمقاومة التلاعب، واستعادة السيطرة على حياتك.
ما هو التلاعب النفسي؟
يشير التلاعب النفسي إلى عملية تدريجية يفرضها شخص ما على آخر بهدف زعزعة ثقة الضحية في نفسها، وتغيير فهمها للواقع، ويحدث ذلك من خلال جعل الضحية تشكك في أفكارها، ذكرياتها، أو إدراكها للأحداث التي تجري حولها، وهذه العملية النفسية يمكن أن تؤدي إلى الارتباك العاطفي، فقدان الثقة بالنفس، وضعف الاستقرار النفسي، مما يجعل الضحية تفتقد القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة.
ووفقًا للمعالجة النفسية ستيفاني “سركيس”، الحاصلة على درجة الدكتوراه في الصحة النفسية، تقول: “المتلاعبون العاطفيون هم خبراء في التعامل مع مشاعر الآخرين، وهم يعتمدون على أساليب متعددة مثل الكذب، إخفاء الحقائق، وإثارة الفتن بين الأشخاص لخلق الانقسامات، في الوقت الذي يوجهون فيه اللوم إلى الآخرين، مما يمنحهم السيطرة الكاملة على ضحاياهم”.
واضافت سركيس أن هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يتلاعبون بمشاعر الآخرين بطرق خفية، ما يجعل من الصعب اكتشاف ذلك في البداية، إلا أن تداعياته على المدى الطويل يمكن أن تكون مدمرة.
تطور مفهوم التلاعب النفسي
كان مصطلح “التلاعب النفسي” في الماضي يشير إلى أساليب قاسية يمكن أن تصل إلى حد تدمير العقل أو إيداع الشخص في مؤسسات نفسية، ولكن اليوم أصبح يستخدم بشكل عام لوصف أي نوع من التلاعب الذي يهدف إلى التأثير على سلوك أو مشاعر شخص آخر من خلال التلاعب النفسي والعاطفي، وتختلف هذه الأساليب من شخص لآخر ولكنها كلها تهدف إلى نفس النتيجة: السيطرة والتحكم.
الدافع وراء التلاعب
تتعدد الدوافع التي تقف وراء تصرفات المتلاعبين بالعواطف، ولكن غالبًا ما تتمحور حول هدفين رئيسيين: الهروب من المساءلة عن تصرفاتهم السيئة، والتمتع بالسيطرة على سلوك الآخرين، فالأشخاص الذين يمارسون التلاعب العاطفي لا يتقبلون أن تكون هناك حدود لهم أو أن يواجهوا عواقب لأفعالهم السيئة، ولذلك، يلجأون إلى هذه الأساليب لتجنب العواقب، مما يجعلهم قادرين على فرض إرادتهم على الضحايا.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى المتلاعبون إلى السيطرة على الضحية بشكل كامل من خلال تدمير احترام الذات، وإضعاف قدرات الضحية على اتخاذ قرارات مستقلة، يصبح المتلاعبون في وضع يمكنهم من التحكم في كل جوانب حياة الشخص المتلاعب به، مما يمنحه شعورًا بالقوة والسيطرة على شخص آخر.
الأساليب المستخدمة في التلاعب العاطفي
تشير الدراسات الحديثة إلى وجود عدة أنماط سلوكية متكررة في العلاقات التي تشهد تلاعبًا نفسيًا وعاطفيًا، وقد أظهرت الأبحاث أن هذه الأنماط قد تتفاوت في شدتها، لكنها تشترك في هدف واحد: إضعاف الضحية والهيمنة عليها. فيما يلي بعض الأساليب الشائعة التي يستخدمها المتلاعبون:
1. قصف الحب: يعد “قصف الحب” من أساليب التلاعب الأكثر شيوعًا في بداية العلاقة، ويقوم المتلاعب بتقديم كميات ضخمة من الحب والاهتمام للضحية، حيث يغمرها بالرسائل والوعود الزائفة، مما يجعل الضحية تشعر بالحب والأمان، ولكن في الواقع، يكون الهدف هو جذب الضحية إلى فخ التلاعب، حيث يبدأ المتلاعب في السيطرة على مشاعر الضحية تدريجيًا.
2. عزل الضحية عن الأصدقاء والعائلة: يبدأ المتلاعب في إبعاد الضحية عن الأشخاص الذين يمكنهم تقديم الدعم العاطفي لها، مثل الأصدقاء والعائلة. يتبع المتلاعب أساليب مثل الإقناع أو حتى التهديد لإقناع الضحية بأن الآخرين لا يفهمونها أو لا يهتمون بها، ويؤدي هذا العزل إلى زيادة اعتماد الضحية على المتلاعب، مما يعزز سيطرته عليها.
3. عدم القدرة على التنبؤ بسلوك المتلاعب: يتسم سلوك المتلاعب بعدم الاستقرار العاطفي، حيث يتنقل بين المشاعر الحادة والمواقف المتناقضة. قد يبدأ المتلاعب في التعبير عن الحب والاهتمام بشكل مفاجئ، ثم يتحول إلى العنف اللفظي أو العاطفي في لحظات أخرى، وهذه التقلبات تجعل الضحية في حالة من الارتباك والتوتر المستمر، ما يضعف قدرتها على التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك.
4. التجاهل والتلاعب بالمشاعر: يقوم المتلاعب بحجب المودة أو الاتصال بشكل مفاجئ، وقد يظهر فجأة باردًا، غير مهتم، أو غير موجود عاطفيًا، مما يؤدي إلى شعور الضحية بالارتباك والحيرة، وهذا النوع من التلاعب يهدف إلى جعل الضحية تسعى للحصول على الحب والاهتمام بشدة، ما يتيح للمتلاعب زيادة سيطرته على الشخص الآخر.
التأثير النفسي على الضحايا
إن التأثير النفسي للتلاعب بالعواطف ليس سطحيًا أو مؤقتًا؛ فقد يكون له تأثيرات طويلة الأمد على الضحية، على المدى الطويل، قد تبدأ الضحية في الشك في نفسها وفي قدرتها على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي، وهذا قد يؤدي إلى اضطرابات في الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب، كما يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات الاجتماعية والعملية، حيث يصبح الشخص المتلاعب به معزولًا عن المحيطين به.
كيف يمكنك حماية نفسك من التلاعب العاطفي؟
لحماية نفسك من التلاعب العاطفي، يجب أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية وأن تتعلم كيفية التصدي لها، ومن المهم أن تتحدث مع الأشخاص المقربين منك إذا كنت تشعر بأن هناك شيئًا غير طبيعي في علاقتك مع شخص ما، ومن المفيد أيضًا تعزيز ثقتك بنفسك، والتحقق من واقعك الشخصي بشكل منتظم.
الخلاصة
التلاعب بالعواطف هو أداة نفسية قوية تستخدم للسيطرة على الآخرين، وقد يكون من الصعب اكتشافه في البداية، ولكن بفهم الأساليب المستخدمة من قبل المتلاعبين، يمكنك اتخاذ الخطوات اللازمة للحفاظ على صحتك النفسية والحفاظ على علاقاتك الشخصية، وتذكر أن الحدود الصحية والعلاقات المتوازنة هي أساس الحياة المستقرة، وعليك أن تحمي نفسك من أي محاولة للتلاعب بعواطفك.
