كشفت دراسة علمية واسعة النطاق نشرتها المجلة الطبية البريطانية أن ممارسة تمارين القوة العضلية بانتظام يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة تصل إلى 28%، وذلك بناءً على متابعة استمرت 12 عامًا لأكثر من 40 ألف مشارك.
الدور الوقائي لتمارين القوة العضلية
أجريت الدراسة في مركز الصحة العامة بجامعة هارفارد بالتعاون مع باحثين من جامعات أوروبية مختلفة، وتم خلالها تحليل بيانات 41,652 شخصًا تراوحت أعمارهم بين 40 و70 عامًا، ولم يكن أي منهم مصابًا بالسكري في بداية الدراسة.
وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين مارسوا تمارين القوة العضلية بانتظام (مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا) كانوا أقل عرضة للإصابة بالسكري من النوع الثاني بنسبة 28% مقارنة بأولئك الذين لم يمارسوا هذه التمارين على الإطلاق، وأشارت الدراسة إلى أن الفائدة كانت أكبر عند الجمع بين تمارين القوة العضلية والتمارين الهوائية، حيث وصلت نسبة الحماية إلى 47%.
الآليات البيولوجية وراء تأثير تمارين القوة العضلية
وفقًا للبروفيسور مايكل جنسن، المشرف الرئيسي على الدراسة: “تعمل تمارين القوة العضلية على تحسين حساسية الخلايا للإنسولين من خلال زيادة كتلة العضلات، والتي تعتبر المستهلك الرئيسي للجلوكوز في الجسم”، وأضاف أن “هذه التمارين تؤدي أيضًا إلى تغييرات في عملية التمثيل الغذائي وتحسين قدرة الجسم على التحكم في مستويات السكر في الدم”.
وقد أظهرت التحليلات البيوكيميائية للمشاركين في الدراسة أن الذين مارسوا تمارين القوة العضلية بانتظام كانت لديهم مستويات أقل من الالتهابات المزمنة ومقاومة الإنسولين، وهما عاملان رئيسيان في تطور مرض السكري من النوع الثاني، كما لوحظ لديهم تحسن في مستويات الدهون في الدم وانخفاض في الدهون الحشوية المرتبطة بزيادة مخاطر الإصابة بالسكري.
الجرعة المثالية من تمارين القوة العضلية
خلصت الدراسة إلى أن الجرعة المثالية من تمارين القوة العضلية للوقاية من السكري تتراوح بين 60 إلى 90 دقيقة أسبوعيًا، موزعة على جلستين إلى ثلاث جلسات، وتشمل تمارين تستهدف المجموعات العضلية الرئيسية في الجسم مثل الساقين والذراعين والظهر والصدر.
وأوضحت الدكتورة سارة ليندن، إحدى الباحثات المشاركات في الدراسة: “المبشر في نتائجنا أن الفوائد الصحية لتمارين القوة العضلية تظهر حتى مع جلسات قصيرة نسبيًا، مما يجعلها خيارًا قابلاً للتطبيق حتى للأشخاص المشغولين”، وأضافت أن “البدء بتمارين بسيطة في المنزل باستخدام وزن الجسم أو أوزان خفيفة يمكن أن يكون كافيًا لتحقيق فوائد صحية مهمة”.
تعرف على: اللياقة البدنية تقلل من خطر الإصابة بالخرف.. دراسة تكشف العلاقة
تمارين القوة العضلية للفئات العمرية المختلفة
أظهر تحليل إضافي للبيانات أن فوائد تمارين القوة العضلية في الوقاية من السكري كانت موجودة في جميع الفئات العمرية المشمولة في الدراسة، لكنها كانت أكثر وضوحًا في الفئة العمرية 50-65 عامًا، حيث وصلت نسبة الحماية إلى 34%.
وصرحت الدكتورة ليندن: “يعتبر هذا العمر فترة حرجة يزداد فيها خطر الإصابة بالسكري بشكل كبير، خاصة مع التغيرات الهرمونية وانخفاض كتلة العضلات المرتبط بالتقدم في العمر”، وأكدت أن “تمارين القوة العضلية قد تكون استراتيجية فعالة للتصدي لهذه التغيرات الفسيولوجية والحفاظ على التمثيل الغذائي الصحي”.
توصيات وآفاق مستقبلية
في ضوء هذه النتائج يوصي الباحثون بضرورة تضمين تمارين القوة العضلية في الإرشادات الصحية للوقاية من السكري، جنبًا إلى جنب مع التمارين الهوائية والنظام الغذائي الصحي، وتقترح الدراسة أن تقوم الهيئات الصحية بتطوير برامج توعية لتشجيع الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بالسكري على ممارسة هذه التمارين.
وختامًا، تؤكد هذه الدراسة على الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه تمارين القوة العضلية في الوقاية من السكري من النوع الثاني، وتفتح الباب أمام مزيد من البحث حول الآليات البيولوجية المحددة وراء هذه الفوائد الصحية، والأنماط المثلى من التمارين للفئات المختلفة من السكان.

















