أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة ستانفورد سبباً بيولوجياً وراء معاناة النساء من الآلام المزمنة بمعدلات أعلى من الرجال، وقد كشفت الدراسة عن دور حاسم لنوع معين من الخلايا المناعية يعرف باسم “الخلايا القاتلة الطبيعية” في تطور الألم المزمن، مع وجود اختلافات كبيرة في وظائف هذه الخلايا بين الجنسين.
الآلام المزمنة لدى النساء.. حقائق وإحصائيات مذهلة
تشير الإحصائيات إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالآلام المزمنة بنسبة تفوق الرجال بمقدار 1.5 إلى 3 مرات، حيث تعاني حوالي 25% من النساء من آلام مزمنة مقارنة بنحو 16% من الرجال في الولايات المتحدة، وتشمل حالات الألم الأكثر انتشاراً بين النساء متلازمة الألم العضلي الليفي، والصداع النصفي، وآلام أسفل الظهر المزمنة، وآلام الحوض المزمنة، وتتجاوز معدلات انتشار هذه الحالات بين النساء مثيلاتها بين الرجال بشكل ملحوظ.
دور الخلايا القاتلة الطبيعية في الآلام المزمنة
كشفت الدراسة التي نُشرت في مجلة “العلوم” عن دور مهم للخلايا القاتلة الطبيعية (NK cells) في تنظيم الالتهاب والألم، حيث وجد الباحثون أن هذه الخلايا تعمل بشكل مختلف في أجسام النساء مقارنة بالرجال، ففي النماذج الحيوانية، لاحظوا أن إناث الفئران تمتلك عدداً أقل من الخلايا القاتلة الطبيعية في مواقع الإصابة، كما أن هذه الخلايا كانت أقل قدرة على كبح الالتهاب مقارنة بنظيراتها في ذكور الفئران.
تعرف على: الموافقة على مسكن الآلام غير أفيوني.. (FDA) تفتح باب الأمل لمرضى الآلام المزمنة
الهرمونات الجنسية وتأثيرها على الآلام المزمنة لدى النساء
يوضح الدكتور مايكل سالتر، قائد فريق البحث، أن الهرمونات الجنسية تلعب دوراً كبيراً في تنظيم نشاط الخلايا القاتلة الطبيعية، حيث وجدت الدراسة أن هرمون الاستروجين يثبط نشاط هذه الخلايا في مكافحة الالتهاب، بينما يعزز هرمون التستوستيرون نشاطها، وهذا يفسر جزئياً سبب زيادة معدلات الآلام المزمنة لدى النساء، كما يفسر التقلبات في شدة الألم التي تشعر بها النساء خلال الدورة الشهرية وفترات التغيرات الهرمونية مثل الحمل وانقطاع الطمث.
اختلافات جينية تؤثر على استجابة النساء للآلام المزمنة
كشفت الدراسة أيضاً عن اختلافات جينية بين الجنسين تؤثر على كيفية معالجة الجسم للألم، حيث وجد الباحثون أن بعض الجينات على الكروموسوم X والتي تنظم الاستجابة المناعية للألم يتم التعبير عنها بشكل مختلف في النساء، ونظراً لأن النساء يمتلكن كروموسومين X مقابل كروموسوم واحد لدى الرجال، فإن النساء قد يكون لديهن قابلية وراثية أعلى لتطوير الآلام المزمنة، خاصة إذا كانت هناك طفرات في الجينات المرتبطة بتنظيم الألم.
مستقبل علاجات الآلام المزمنة المخصصة حسب الجنس
تفتح هذه النتائج آفاقاً جديدة لتطوير علاجات مخصصة حسب الجنس للآلام المزمنة، حيث يعمل الباحثون حالياً على تطوير أدوية تستهدف تعزيز نشاط الخلايا القاتلة الطبيعية لدى النساء، أو تعديل تأثير الهرمونات على هذه الخلايا، ويعتقد الدكتور سالتر أن هذا النهج قد يؤدي إلى تحسينات كبيرة في علاج الآلام المزمنة لدى النساء، والتي غالباً ما تكون مقاومة للعلاجات التقليدية مثل المسكنات.
توصيات عملية للنساء المصابات بالآلام المزمنة
بناءً على نتائج الدراسة، يقدم الباحثون عدة توصيات للنساء المصابات بالآلام المزمنة، تشمل تتبع تغيرات شدة الألم خلال الدورة الشهرية لفهم العلاقة بين الهرمونات والألم، وممارسة التمارين الرياضية معتدلة الشدة التي ثبت أنها تعزز وظيفة الخلايا المناعية بما فيها الخلايا القاتلة الطبيعية، واتباع نظام غذائي غني بمضادات الالتهاب، بالإضافة إلى تقنيات إدارة الإجهاد مثل اليوغا والتأمل، حيث أظهرت الدراسات أن الإجهاد المزمن يثبط نشاط الخلايا المناعية ويزيد من شدة الألم.