حين نتحدث عن الطحال، فإننا لا نقصد عضوًا صغيرًا يمكن التغاضي عنه، بل نتحدث عن حارس مناعي صامت وجزء لا غنى عنه في منظومة الدفاع الجسدي، لهذا فإن تضخم الطحال لا يُعد مسألة عابرة، بل رسالة تحذير مبطّنة من الجسد تنذر بوجود خلل داخلي قد يكون أعمق وأخطر مما نتصور
يقع الطحال في الجزء العلوي الأيسر من البطن، وربما لا يشعر الإنسان بوجوده طوال حياته، ما لم يطرأ عليه تغير، وظيفته الأساسية تصفية الدم من الخلايا التالفة، تخزين خلايا الدم، والمساهمة في التصدي للعدوى، ولكن حين يتضخم، فإن ذلك قد يكون علامة على مرض كامن تتراوح شدته بين حالات بسيطة وأخرى قد تهدد الحياة إن لم تُكتشف مبكرًا
أسباب تضخم الطحال متعددة، وتدور حول محاور رئيسية تشمل العدوى، أمراض الكبد، اضطرابات الدم، وبعض أنواع السرطان، فقد تؤدي العدوى الفيروسية مثل التهاب الكبد أو كثرة الوحيدات، أو العدوى البكتيرية كالسل والزهري، أو الطفيلية مثل الملاريا، إلى تضخمه، كما تُعد أمراض الكبد، لاسيما تليف الكبد وارتفاع ضغط الدم البابي، من أبرز العوامل المسببة، ولا يمكن إغفال دور اضطرابات الدم مثل الثلاسيميا وفقر الدم الانحلالي، أو الأمراض المناعية كالروماتويد والذئبة الحمراء، إلى جانب الأورام السرطانية كسرطانات الدم واللمفوما
ما يزيد من خطورة الحالة أن الأعراض غالبًا ما تكون صامتة أو خفية، مثل شعور خفيف بالامتلاء في الجزء الأيسر من البطن، شبع مبكر بعد تناول كميات بسيطة من الطعام، تعب دائم لا تفسير له، فقدان وزن غير مبرر، أو تعرق ليلي متكرر، وهي أعراض قد تبدو عابرة، لكنها تستدعي فحصًا عميقًا لا يمكن تجاهله
ولا يكفي الفحص السريري وحده للتشخيص، بل يجب إجراء تحاليل دم شاملة، وفحوصات لوظائف الكبد، واختبارات خاصة للكشف عن العدوى، إلى جانب التصوير بالموجات فوق الصوتية أو الأشعة المقطعية، وفي بعض الحالات قد تستدعي الضرورة أخذ خزعة من الطحال أو نخاع العظم للوصول إلى التشخيص الدقيق
أما العلاج، فلا يمكن أن يكون نمطيًا، بل يجب أن يُبنى على معرفة السبب الحقيقي الكامن خلف التضخم، فإذا كانت العدوى هي السبب فالعلاج يكون بمضادات حيوية أو مضادات الطفيليات، وإن كان السبب ورمًا سرطانيًا، فقد يلزم اللجوء إلى العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، وفي حالات الأمراض المزمنة كالكبدية أو المناعية، فإن السيطرة على المرض هي السبيل لتخفيف حدة الأعراض وتقليص حجم الطحال، وفي بعض الحالات المتقدمة لا يكون هناك خيار سوى الاستئصال الجراحي، وهذا القرار لا يُتخذ إلا بعد دراسة دقيقة
كل ما قيل هو محاولة لإيصال رسالة واحدة، مفادها أن تضخم الطحال ليس عرضًا عابرًا، بل نداء من الجسد لا يجب أن يُهمل، فالتجاهل قد يكلّف الكثير، أما الوعي والاكتشاف المبكر فهما مفتاح النجاة، فكم من جسد أرسل إشاراته الواضحة، لكن لم يُصغِ إليه أحد.