هل نربي أبناءنا على الخوف أم على الوعي؟ هذا السؤال يجب أن يطرح بكل صراحة عندما نتحدث عن التربية الجنسية للأطفال، تلك المنطقة المسكوت عنها في بيوتنا رغم أهميتها القصوى، فهي خط الدفاع الأول ضد أي خطر قد يهدد أجسادهم ونفسياتهم.
إن التربية الجنسية لا تبدأ عند سن البلوغ كما يظن البعض، بل تبدأ منذ لحظة ولادة الطفل، ومن الضروري مثلاً ألا يتم تغيير الحفاضة أمام أحد، وأن يغلق الباب أثناء تغييرها، حتى يشعر الطفل منذ نعومة أظافره بوجود خصوصية يجب احترامها، وإذا اضطرت الأم للغياب، فمن الأفضل أن تتولى الجدة أو أحد البالغين الكبار في المنزل هذه المهمة، وليس الإخوة الأصغر سنًا.
فحين يبدأ الطفل في الإدراك، يجب أن يدخل الحمام بنفسه، وعلى الأم أن توجهه فقط دون أن تتدخل كثيرًا في تنظيفه، لترسخ لديه الشعور بالاستقلال والمسؤولية عن جسده، وعند البدء في تدريبه على خلع الحفاضة، لا بد من إغلاق باب الحمام وعدم السماح لأحد بالدخول، لأن هذه اللحظات التأسيسية تغرس فيه فكرة أن هناك أماكن لا يجب لأحد أن يراها أو يقترب منها.
ومع تطور لغة الطفل وقدرته على الكلام، يجب أن نتحدث معه يوميًا عن مناطق جسده الخاصة، ونوضح له ببساطة أن المنطقة الواقعة بين السرة والركبة هي ملكه وحده، لا يحق لأحد أن يراها أو يلمسها، وأنه إذا حاول أي شخص الاقتراب منها، فعليه أن يصرخ ويذهب فورًا ليخبر أمه أو أباه دون تردد.
ومن المهم أيضًا أن نمنع التقبيل من الفم نهائيًا، حتى لو من الوالدين، ويكون التقبيل من الخد فقط بالنسبة للأب والأم، ومن اليد أو الجبهة من الآخرين، كما يجب ألا يجلس الطفل على قدم أحد، ولا يسمح لطفل بالجلوس على قدم طفل آخر، وفي الحضانات، من الأفضل أن تكون هناك مربية واحدة مسؤولة عن الطفل، وأن يطلب من إدارة الحضانة أو المدرسة التأكيد على احترام خصوصية أجساد الأطفال، وعدم السماح لطفلين بالدخول معًا إلى الحمام.
ومن غير المقبول ترك الإخوة الصغار في البانيو معًا، حتى وإن كانوا دون سن الإدراك، ويجب ألا تتجاوز مدة بقائهم في الحمام عشر دقائق، وتحت المراقبة المستمرة، ومن الأخطاء الشائعة أيضًا إجبار الطفل على تقبيل الآخرين بدعوى الأدب أو الاحترام، إذ يجب أن تكون التحية باليد فقط، ويجب التفريق بين الإخوة في النوم من خلال تخصيص سرير أو غطاء منفصل لكل منهم.
ولكن، أخطر ما يمكن أن نرتكبه بحق أبنائنا هو أن نجبرهم على الطاعة العمياء، دون أن نمنحهم حق السؤال أو الفهم، حين يجبر الطفل على سماع كلام الآخرين دون أن يعي السبب، أو حين يُضرب ويُعاقب لأنه اعترض، فإننا نزرع في داخله الخضوع والخوف، ونفتح الباب أمام أي معتدٍ ليستغله، لأنه لن يجرؤ على المقاومة أو الشكوى، خوفًا من العقاب أو التوبيخ.
علينا أن نعلم الطفل أن له كرامة وحدودًا لا يسمح لأحد يتجاوزها، وأن له حرية الاعتراض، وأنه ليس ملكًا لأحد. علينا أن نربي أبناءنا على الحياء الحقيقي لا على الخجل المرضي، وأن نزرع فيهم احترام الجسد، لا الخضوع باسم الأدب أو الطاعة.
إن حماية الطفل من أي تحرش تبدأ في البيت، عبر الوعي، والصدق، والتواصل المستمر، فإما أن نكون درعًا يحميهم، أو نكون الثغرة التي يخترقون من خلالها، فالتربية الجنسية ليست رفاهية، بل ضرورة تربوية وأخلاقية، وهي حق لكل طفل علينا أن نصونه منذ اللحظة الأولى في حياته.
اقرأ أيضًا..الدكتور أحمد بدر يكتب: كيف تحمي طفلك من السمنة المفرطة؟ ونصائح غذائية أخرى