كان الاعتقاد السائد لسنوات أن أمراض القلب والشرايين تصيب الأغنياء بالدرجة الأولى، باعتبارها ناتجة عن استهلاك مفرط للأطعمة الدسمة. إلا أن دراسات حديثة تكشف عن واقع مغاير تمامًا، حيث تتزايد نسب الإصابة بهذه الأمراض بين الفقراء، لتطرح تساؤلات عن أسباب تفاقم المشكلة في البيئات ذات الدخل المحدود.
الفقراء يدفعون ثمنًا أكبر
كشفت دراسة بريطانية أجرتها جامعة أكسفورد، شملت تحليل سجلات صحية لـ 22 مليون شخص على مدار 20 عامًا، أن الفقراء أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب بمقدار الضعف مقارنة بأقرانهم في المناطق الغنية. الدراسة أوضحت أن الأوضاع المعيشية الصعبة، مثل الضغوط النفسية والتوتر الناتج عن قلة الفرص والتحديات الحياتية، تسهم بشكل كبير في ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
بين حلب وأربيل.. قصص من الواقع
تجربة كل من آمنة موسى (57 عامًا) من مدينة حلب السورية، وشريف إبراهيم (59 عامًا) من أربيل، تلقي الضوء على معاناة المصابين بأمراض القلب في البيئات الفقيرة. كلاهما أصيب بمرض الشريان التاجي، وأجرى عملية توسيع الشرايين بعد معاناته من ضيق في التنفس، وعزا المرض إلى عوامل معيشية قاسية وظروف حياتية مرهقة.
تقول آمنة: “أخبرني الطبيب بعد العملية بأهمية الامتناع عن الدهون، إلا أنني نادرًا ما أتناول اللحوم بسبب الفقر”. بينما يرى شريف أن السيجارة أصبحت متنفسه الوحيد وسط ضغوط الحياة.
لماذا يكون الفقر عامل خطر؟
يشير وليد صوالحة، استشاري أمراض القلب في الأردن، إلى أن التوتر النفسي والإجهاد المزمن، الناتج عن حياة صعبة ومستقبل غير واضح، يؤديان إلى مضاعفات صحية خطيرة. ويؤكد على أهمية الرياضة والوعي الصحي كوسيلتين للتخفيف من آثار التوتر والوقاية من الأمراض.
من جانبها، توضح أورلا فلانيري، محاضرة التغذية بجامعة مانشستر متروبوليتان، أن الأنظمة الغذائية غير الصحية ونمط الحياة الخامل يزيدان من احتمالية الإصابة بأمراض القلب، خاصة مع ارتفاع معدلات التدخين وشرب الكحول بين الطبقات الفقيرة.
كيف نواجه هذا الخطر المتزايد؟
في ظل استمرار الفجوة بين الفقراء والأغنياء، تطالب مؤسسة القلب البريطانية الخيرية بضرورة جعل مكافحة أمراض القلب أولوية صحية وطنية، محذرة من خطر التفاوت الاجتماعي وتأثيره المباشر على الصحة.
الوقاية تبقى الخطوة الأهم، من خلال تبني نمط حياة صحي للقلب، يشتمل على نظام غذائي متوازن، ممارسة الرياضة، والإقلاع عن التدخين. مع تأكيد ضرورة توفير الرعاية الصحية والتوعية في المناطق الفقيرة، لضمان فرص متساوية للجميع في الوقاية والعلاج.