تعاني ألمانيا منذ سنوات من نقص حاد في الأدوية الأساسية، بما في ذلك المضادات الحيوية وأدوية الأطفال وخافضات الحرارة، وحتى المحاليل الملحية التي أصبحت سلعة نادرة في المستشفيات والصيدليات، وقد تصاعدت الأزمة مؤخراً ليصبح تأثيرها محسوساً ليس فقط في رعاية المرضى داخل المستشفيات، بل امتد إلى العيادات الخارجية، مما يثير مخاوف من تراجع جودة العلاج.
المحاليل الملحية سلعة نادرة رغم بساطتها
رغم أن المحاليل الملحية لا تكلف سوى بضعة سنتات، إلا أن نقصها في المستشفيات الألمانية أصبح مشكلة حادة تؤثر على العمليات الجراحية والعلاجات الطبية اليومية، وبحسب رئيس رابطة صيادلة شمال الراين، توماس بريس، فإن الوضع تفاقم بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، مما يزيد من الضغوط على نظام الرعاية الصحية.
الأسباب المعقدة لأزمة نقص الأدوية
تعاني ألمانيا من نقص الأدوية لعدة أسباب، أهمها الاعتماد الكبير على الإنتاج في دول مثل الصين والهند، حيث تُنتج معظم مكونات الأدوية بسبب التكلفة المنخفضة وقلة اللوائح البيئية مقارنة بأوروبا، وقد أدى تشتت سلسلة التوريد العالمية إلى تعرضها للاختلالات، مثل إغلاق الموانئ أو تعطيل الشحنات، مما يفاقم من صعوبة الحصول على الإمدادات اللازمة.
أوروبا في أزمة دوائية المشكلة ليست في ألمانيا وحدها
لا تقتصر أزمة نقص الأدوية على ألمانيا، بل تعاني دول أوروبية أخرى مثل السويد والبرتغال وإسبانيا من نفس المشكلة، وفقاً لدراسة أجرتها مجموعة الصيدلانية للاتحاد الأوروبي PGEU في عام 2023، ويشير هذا إلى أن الأزمة ذات طابع قاري، مما يستدعي حلولاً منسقة على مستوى الاتحاد الأوروبي.
الإنتاج المحلي حل طويل الأمد أم تحديات كبيرة؟
يدعو العديد من الخبراء إلى نقل إنتاج الأدوية إلى الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، لكن هذا الحل يواجه تحديات كبيرة، أبرزها القوانين البيئية الصارمة في أوروبا التي تجعل تصنيع المواد الكيميائية الدقيقة أمراً معقداً.
ويشير خبير سلسلة التوريد، ديفيد فرانكاس، إلى أن إنشاء مرافق إنتاج جديدة قد يستغرق خمس سنوات على الأقل، مما يعني أن الحل لن يكون متاحاً في المدى القريب.
الأدوية الجنيسة وضغوط الأسعار
تزداد الأزمة حدة في قطاع الأدوية الجنيسة التي تشكل نحو 70-80% من المعروض الأساسي في ألمانيا، حيث تفرض عقود التخفيضات المتبعة في نظام الرعاية الصحية ضغوطاً كبيرة على الشركات المصنعة لتقديم الأدوية بأرخص الأسعار. وقد أسهمت هذه السياسة في تقليل هوامش الربح، مما أثر على استقرار الإمدادات بشكل عام.
البحث عن حلول لأزمة نقص الأدوية
يعتبر تخزين الأدوية أحد الحلول الممكنة، إلا أن تكاليفه العالية والمخاطر المرتبطة بالتقلبات في الطلب تجعل من الصعب تحقيقه. وبحسب الخبراء، فإن إيجاد حل جذري لأزمة نقص الأدوية يتطلب مراجعة شاملة لسياسات الإنتاج والتوريد على مستوى الاتحاد الأوروبي، إلى جانب تعزيز قدرات التخزين الاستراتيجي للتعامل مع الأزمات المستقبلية.
هل تعود ألمانيا إلى مكانتها كصيدلية العالم؟
تظل ألمانيا واحدة من أكبر الدول المنتجة للأدوية في العالم، لكن عليها معالجة المشاكل الهيكلية في سلاسل التوريد وإعادة تقييم استراتيجيات الإنتاج إذا أرادت استعادة مكانتها القديمة. وحتى يتم حل هذه الأزمة، تبقى جودة الرعاية الصحية في خطر، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء الذي يشهد ارتفاعاً في الطلب على الأدوية الأساسية.