كشفت دراسة طبية عالمية حديثة عن وجود مستويات مقلقة من وصف المضادات الحيوية العشوائي دون الاستهداف الدقيق للعدوى البكتيرية، مما يشكل خطرًا متزايدًا على الصحة العامة ويساهم في تفاقم مشكلة مقاومة المضادات الحيوية التي تهدد بعودة العالم إلى عصر ما قبل المضادات الحيوية.
دراسة تكشف حجم وصف المضادات الحيوية العشوائي حول العالم
أجرى فريق دولي من الباحثين في جامعة أكسفورد دراسة موسعة شملت تحليل بيانات أكثر من 6.4 مليون وصفة طبية للمضادات الحيوية في 70 دولة حول العالم، وتوصلت الدراسة إلى نتائج صادمة حول انتشار وصف المضادات الحيوية العشوائي دون إجراء الفحوصات اللازمة أو تحديد نوع العدوى بدقة.
وأوضح البروفيسور تيموثي والش، المشرف الرئيسي على الدراسة، أن “حوالي 45% من وصفات المضادات الحيوية في مرافق الرعاية الأولية و30% في المستشفيات تُعطى بشكل عشوائي دون تحديد دقيق لنوع البكتيريا المسببة للعدوى”، مضيفًا أن “وصف المضادات الحيوية العشوائي يتجاوز حدود الضرورة الطبية في معظم الحالات”.
أسباب انتشار وصف المضادات الحيوية العشوائي وعواقبه
حددت الدراسة عدة عوامل تساهم في انتشار وصف المضادات الحيوية العشوائي، منها ضغط المرضى للحصول على وصفات طبية، ونقص الوقت اللازم للتشخيص الدقيق، وعدم توفر الاختبارات السريعة والدقيقة في بعض المناطق، إضافة إلى الخوف من المضاعفات المحتملة لدى الأطباء، وضعف التدريب على الاستخدام الأمثل للمضادات الحيوية.
وتشير الدكتورة سارة جونسون، أخصائية الأمراض المعدية المشاركة في الدراسة، إلى أن “وصف المضادات الحيوية العشوائي يؤدي إلى زيادة خطر الآثار الجانبية غير الضرورية للمرضى، وارتفاع التكاليف الصحية، والأهم من ذلك، تسريع ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية”، موضحة أن “الدراسات تشير إلى أن 30-50% من المضادات الحيوية الموصوفة لا ضرورة لها طبيًا”.
تعرف على: دراسة حديثة.. مرض السكري يزيد من مقاومة المضادات الحيوية ويصعب علاج العدوى
التفاوت الجغرافي في وصف المضادات الحيوية العشوائي
أظهرت الدراسة وجود تفاوت كبير في معدلات وصف المضادات الحيوية العشوائي بين مختلف المناطق الجغرافية، حيث سجلت دول جنوب آسيا وأجزاء من أفريقيا أعلى المعدلات بنسبة تصل إلى 65% من الوصفات، بينما كانت المعدلات أقل في دول شمال أوروبا وأستراليا بنسبة تتراوح بين 15-25%.
وقال الدكتور راجيف مهتا، الباحث في المركز الدولي لمكافحة الأمراض المعدية: “وجدنا أن البلدان ذات الأنظمة الصحية الأقوى والسياسات الصارمة بشأن استخدام المضادات الحيوية تسجل معدلات أقل من وصف المضادات الحيوية العشوائي”، مضيفًا أن “بعض البلدان النامية تعاني من نقص في الاختبارات التشخيصية، مما يجعل الأطباء يلجأون للعلاج التجريبي في كثير من الحالات”.
تأثير وصف المضادات الحيوية العشوائي على مقاومة المضادات الحيوية
تحذر الدراسة من العواقب الخطيرة لوصف المضادات الحيوية العشوائي على تطور مقاومة المضادات الحيوية، حيث أظهرت البيانات وجود علاقة مباشرة بين معدلات وصف المضادات الحيوية غير الموجهة وارتفاع معدلات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في تلك المناطق.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن مقاومة المضادات الحيوية تتسبب حاليًا في وفاة حوالي 700,000 شخص سنويًا حول العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 10 ملايين بحلول عام 2050 إذا استمرت الاتجاهات الحالية، بما في ذلك وصف المضادات الحيوية العشوائي، دون اتخاذ إجراءات فعالة للحد منها.
استراتيجيات للحد من وصف المضادات الحيوية العشوائي
تقترح الدراسة عدة استراتيجيات للحد من وصف المضادات الحيوية العشوائي، منها تحسين أدوات التشخيص السريع والدقيق، وتطوير برامج توجيهية للمضادات الحيوية في المستشفيات والعيادات، وتعزيز التثقيف الطبي المستمر حول الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية، وتوعية المرضى حول مخاطر الاستخدام غير الضروري للمضادات الحيوية.
وتقول الدكتورة لينا تشن، خبيرة السياسات الصحية المشاركة في تحليل نتائج الدراسة: “نحتاج إلى تغيير ثقافي في طريقة استخدام المضادات الحيوية، بدءًا من القرارات السريرية اليومية للأطباء وصولًا إلى السياسات الصحية الوطنية والدولية”، مضيفة أن “الحد من وصف المضادات الحيوية العشوائي يتطلب جهودًا مشتركة من جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الأطباء والمرضى وصانعي السياسات وشركات الأدوية”.
دعوة للعمل العاجل للحفاظ على فعالية المضادات الحيوية
تختتم الدراسة بدعوة للعمل العاجل للحد من وصف المضادات الحيوية العشوائي والحفاظ على فعالية المضادات الحيوية للأجيال القادمة، مشددة على أهمية اتباع مبادئ الإشراف على المضادات الحيوية، والتي تشمل استخدام المضاد الحيوي المناسب، بالجرعة المناسبة، للمدة المناسبة، وفقط عندما تكون هناك حاجة طبية حقيقية.
ويؤكد البروفيسور والش أن “وصف المضادات الحيوية العشوائي يمثل تهديدًا خطيرًا للصحة العامة العالمية، ويجب أن يكون الحد منه أولوية قصوى في جميع أنظمة الرعاية الصحية”، مشيرًا إلى أن “كل وصفة غير ضرورية للمضادات الحيوية اليوم تقربنا خطوة من عالم قد تصبح فيه الإصابات البكتيرية البسيطة مهددة للحياة مرة أخرى”.