حين يشعر الإنسان بألم مفاجئ في الجزء العلوي من بطنه، قد يظن أن السبب في المعدة أو القولون، لكنه لا يتوقع أن يكون المتهم الحقيقي هو البنكرياس، هذا العضو الصامت الذي يعمل في الظل دون أن يطلب انتباهًا، لكنه حين يصرخ بالألم فإن ذلك لا يكون عبثًا، فالبنكرياس ليس مجرد عضو صغير خلف المعدة، بل هو عقل تنسيقي دقيق ينظم ما بين الهضم والتحكم في مستويات السكر في الدم، إذ يفرز الإنزيمات الهضمية التي تفكك الطعام، كما ينتج الإنسولين الذي يحمي أجسادنا من مرض السكري، وعندما يصاب بالتهاب، فإن ذلك ينعكس على الجسد كله، سواء بشكل حاد مفاجئ أو بشكل مزمن يستنزف قواه تدريجيًا
النوع الحاد من التهاب البنكرياس هو الأكثر شيوعًا، يبدأ فجأة، وغالبًا ما يكون ناتجًا عن وجود حصى في المرارة أو بسبب الإفراط في تناول الكحوليات لدى بعض الأشخاص، وفي حالات كثيرة يكون بسيطًا، لكنه قد يتطور بسرعة ليصبح تهديدًا حقيقيًا للحياة إذا لم يُعالج بشكل فوري، أما النوع المزمن، فهو الأخطر على المدى البعيد، لأنه يتكرر ويؤدي إلى تلف دائم في نسيج البنكرياس، ما يضعف قدرته على إفراز الإنزيمات الضرورية للهضم أو التحكم في مستويات السكر بالدم
انتبه
الأعراض لا يجب التغاضي عنها، فالألم الذي يبدأ في الجزء العلوي من البطن ويمتد إلى الظهر قد يكون شديدًا لدرجة لا تهدأ معها المسكنات العادية، ويصحبه غالبًا الغثيان، القيء، وربما الحمى وتسارع ضربات القلب، خاصة في الحالات الحادة، أما في الحالات المزمنة، فقد تظهر خسارة ملحوظة وغير مبررة في الوزن، وبراز دهني، وهما مؤشران على أن الجسم لم يعد يهضم الطعام كما ينبغي
تشخيص الحالة لا يقتصر على الأعراض، بل يتطلب تحاليل دم تكشف ارتفاع مستويات إنزيمات البنكرياس مثل الأميليز والليباز، وقد تُستخدم الأشعة المقطعية أو الموجات فوق الصوتية لمعاينة البنكرياس والكشف عن مضاعفات محتملة مثل الخراج أو الكيسة الكاذبة، وهي حالات تتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا
العلاج يعتمد على نوع الالتهاب وحدّته، ففي الحالات الحادة يحتاج البنكرياس إلى راحة تامة، ويُنصح بالصيام المؤقت، وتعويض السوائل عن طريق الوريد، مع استخدام المسكنات المناسبة، وإذا كان السبب وجود حصى في المرارة، فيجب التفكير في إزالتها، أما في الحالات المزمنة، فينبغي التوقف التام عن الكحوليات، واتباع نظام غذائي منخفض الدهون، مع تناول مكملات إنزيمية لتعويض القصور، بالإضافة إلى علاج الألم المزمن، وقد يتطلب الأمر تدخلًا جراحيًا في بعض الحالات المعقدة
ما يجب فهمه هو أن التهاب البنكرياس ليس حالة طارئة تنتهي بانتهاء الألم، بل هو رسالة من الجسد تقول إن هناك ما ينهار في الداخل، تجاهل هذه الرسالة قد يقود إلى الإصابة بالسكري أو فشل البنكرياس أو اضطرابات هضمية مزمنة
الصحة لا تعني فقط غياب الألم، بل تعني أن نُحسن قراءة ما وراء الألم، فالبنكرياس، رغم صمته الطويل، حين يتكلم لا يبالغ، بل يطالب بحق الحماية والاهتمام، فلنمنحه هذا الحق قبل أن يطالبنا بثمن لا يُعوّض